مؤسسة الشرق الأوسط للنشر العلمي
عادةً ما يتم الرد في غضون خمس دقائق
أمام السلطة النظامية وما تنطوي عليه من إرهاصات مكبلة، فاتكة ومدمرة أحيانا، أوجد الإنسان لنفسه مطية للتحرر و الانعتاق من براثن الموت وطمس الغرائز والشهوات. فغاص في غمار وكنه الأشياء عله يبلغ جوهر الحياة متجاوزا بإرادته الجامحة كل أشكال النظام ذات الطابع القهري، فتمرد على المظهر السطحي ليلج إلى الحقيقة في أبهى تجلياتها. لذلك تمكن الإنسان المفكر والفاعل بامتياز، أن يقف وجها لوجه أمام عقبات متنوعة تستمد جذورها من الأعراف والتقاليد والسيرورة النظامية لسلطة قامعة لكن باعتبار أن الفنان كائن مسكون بهاجس الإبداع وإماتة اللثام عن المسكوت عنه كحقيقة تفوح بعبق الجمال وتعرية الواقع المتردي، أعلن تمرده ووقف سدا مانعا أمام كل هذه العراقيل فجاء متفردا واستثنائي في نتاجه الإبداعي. وهو ما يجعلنا نطرح تساؤلا حول مسألة الصراع القائم بين "الجسد والأنظمة الرمزية" في المسرح هذه الجدلية بين الصورة الاستيطيقية حيال دلالة العري الجسدي وبين التمثلات الجمالية والمعوقات الاجتماعية القيمية والنظامية الاستبدادية انطلاقا من تجربة المخرج المسرحي "الفاضل الجعايبي". لذلك استقيت عرض "خمسون" الحامل للصورة الوحشية في علاقة "السلطة الاجتماعية والسياسية بالجسد"، تعكس طرحا عميقا لقضايا راهنة. فكيف لهذا العرض أن يختزل صراعا عنيفا نستشف عبره زوايا نافية للجسد كصورة تعبر عن شكل من أشكال الوجود المستفز والمرفوض والكاتم لجماح الصورة الجسدية الحرة ؟ لاسيما وعصا الجلاد "قدور"، المفتقر للإنسانية، كصورة فنية ناطقة تمثلت وامتثلت في "جسد الرهائن". فأبرز الحيثيات الطامسة لكل جسد يتوق إلى الانعتاق و يتجرأ على كسر قوانين السلطة النظامية الحاكمة، لتكون النهاية مأساوية بامتياز. فكيف نبرر هنا "اللامشروعية بالمشروعية"، حسب" ميشال فوكو" ؟ ويطبق القانون الكاسر على البطلة "أمل "، بحكم ارتدائها للحجاب لتدخل في دوامة سوداوية مع السلطة "الاجتماعية و الاديولوجية" التي تخضع الجسد لمعايير قانونية حاكمة... أليس الجسد هو عصارة سوسيوثقافية بل الحياة بجبروتها وفاعليتها وسموها عن العقل… "إنها مصدر النشوة والفرح واللذة، إنها القوة الجارفة نحو المستقبل المجهول" إذا إنها بإيجاز، الحياة في نظر "نيتشه" . كما أن المبدع العبقري هو من يجعل من العري الجسدي في تشكلاته الرمزية في المسرح، طاقة محركة تروم كسر حواجز الموت والعدم إنها الصورة الجمالية في أسمى تجلياتها الفنية. والحال أن الفن هو ما يقاوم الموت بلغة "دلوز"، فالعري الفني يعزز الصورة الجمالية ليكشف عن الواقع والمجتمع والأفكار المسكونة بهاجس التعصب والعنف والوحشية في أعلى مراتبها الحيوانية.... لماذا هذه المسلمات بحدود الفكر السلطوي في صراعه الدائم مع الجسد، والحال أنه مرآة عاكسة لصور مغتصبة من الواقع ؟